علينا أن ندرك ونحن في مستهل هده الدراسة، أن قوام الأخلاقية ومدارها هو أن الإنسان حيوان أخلاقي، إنه يشارك الحيوان في الحس فينزع معه إلى إشباع حاجاته العضوية ومطالبه الجسمانية،وينفرد دونه بالتأمل العقلي، فيقوى على أن يعتزل واقعه، ويباشر النظر فيه ،ويتعالى عليه، في ضوء مثل أعلى يدين له بالولاء،إنه بين سائر الكائنات ،الكائن الوحيد الدي يملك إرادة التغير عن وعي وتبصر، فينزع بمحض تفكيره وإرادته إلى مجاهدة ميوله وغرائزه،وضبط دوافعه ونوازعه والسيطرة على أهوائه،ونزواته، وتوجيه رغباته ومطامحه إلى أقصى مطالب الكمال الإنساني. ومن هنا صح القول أن الدعوة الأخلاقية قديمة قدم المجتمعات البشرية، فما اجتمعت طائفة من البشر في أي ركن من أركان الأرض وفي أي عصر من العصور إلا و قد نجمت عن إقامة أفرادها بعضهم مع بعض ،قواعد للتمييز بين الخير والشر، الحق والباطل....الخ من المعايير والمقاييس. فهي أقدم بكثيرمن الفكر الغربي ومن فلاسفة اليونان ،فإن شئنا أن نؤرخ للأخلاق وللسلوك الأخلاقي ،فربما نبدأ بالإنسان البدائي والحضارة الشرقية القديمة قبل أن نصل إلى صورتها المتطورة عند فلاسفة اليونان.وهو أمر يخرج عن الغرض
المقصود، إد أن الهدف من هدا المقياس المسمى تحت إسم فلسفة الأخلاق هو دراسة الأخلاق من حيث هي فلسفة لها طبيعتها ومشكلاتها ومختلف اتجاهاتها.
لقد جعل المثاليون من الحدسيين والعقليين من وظيفة الفلسفة الخلقية وضع مثل إنساني أعلى يسير بمقتضاه السلوك الإنساني بماهو كدلك أي مجرد من الزمان والمكان ويكون ملائما لأسمى جانب في الطبائع البشرية ،وهو الجانب العقلي المشترك بين الناس ، ف كل إنسان ينشد القيم التعليا التي تقضي بتأدية الواجب وإشاعة العدالة والمحبة وكفالة الحرية وإقرار الأمن والسلام ويعرف هؤلاء ،بأنصار أخلاق الفضيلة وأخلاق الواجب .
تصدى لهدا الموقف التقليدي أصحاب النزعة الواقعية من التجربين والوضعيين وأتباع الفلسفة البرجماتية العملية ودعاة الفلسفة التحليلية ةالوضعية المنطقية، وكلهم يضعون في الإعتبار مصالح الإنسان الداتية وبعاداته وتقاليد مجتمعه وبأعماله ومنافعه ومشاريع أفكاره النابعة من واقعه وتجربته الحياتية وآثار المعتقدات .أما دعاة الوضعية المنطقية فقد ردوا وظيفة الفلسفة الخلقية في زالة اللبس والغموض عن العبارة والقضية بتحليلها والوقوف على حكمها المنطقي أي إدا ماكانت تحتمل الصدق أو الكدب . لكن كل هولاء وقعوا في شباك الحياة الإجتماعية ولم يتجاوزوا الواقع فصارت القيم جزئية نسبية متطورة بتطور المجتمعات والعلم إلى أن أصبح الإنسان يعايش في هده اللحظة مايسمى بالأخلاق السائلة التي تمثل أزمة الإنسان المعاصر.